لقد كان من صفة اليهود ولا يزال هو نقضهم للعهود والمواثيق، وقلدهم في ذلك تلامذتهم في الشر وهم المنافقون، فقال تعالى عن الأولين: (أَوَ كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ) (سورة البقرة آية100). وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: [آيَةُ الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ].
لقد دأب المنافقون في التخلق بهذا الخلق الذميم، فأصبحوا لا يرعون ديناً ولا خلقاً ولا عرفاً، وأصبحوا يستحلون نقض العهد والميثاق بأتفه الحيل، ويعطون مواثيقهم للتوصل لأغراضهم الدنيئة.
فالحديث النبوي فيه التحذير من التخلق بهذه الأخلاق الخبيئة التي يرجع إليها أصول النفاق الأصغر نفاق العمل وهو أن يظهر الإنسان علانية صالحة، ويبطن ما يخالف ذلك. وأما النفاق الأكبر فهو أن يظهر الإنسان الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ويطن ما يناقض ذلك كله أو بعضه ، وهذا النفاق الذي كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ونزل القرآن بذم أهله ، وأخبر أنهم في الدرك الأسفل من النار .
قال ابن الجوزي رحمه الله: إن نقض العهد من صفات الفاسقين.
وإن هؤلاء الذين ينقضون عهودهم سيجدون عقوبة ذلك في يوم من الأيام،قال محمد بن كعب القرظي رحمه الله تعالى:ثلاث خصال من كن فيه كن عليه: البغي ، والنكث ، والمكر، وقرأ ( ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله) (فاطر/43) ، ( يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم) ( يونس/23) ، ( فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) ( الفتح/10).
وقال ابن عطية في تفسير آية الفتح هذه (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) قال: إن من نكث يعني نقض العهد فإنما يجني على نفسه ، وإياها يهلك ، فنكثه عليه لا له.
ولقد حرم الله على المؤمنين نقض العهود ، وأوجب عليهم الوفاء بها فقال: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا). (الإسراء/34). وقال: ( يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود). (المائدة/1)، وهناك الكثير من الأدلة على وجوب الوفاء بالعهد وعدم نقضه.